يقولون إن الفن مرآة المجتمع ويقولون إن الفنان جزء لا يتجزأ من مجتمعه ويقولون إن الفن لا بد أن يكون هادفا والفنان لا بد أن يعكس قضايا مجتمعه، ويقولون إن بعض الفنانين ماتوا مديونين لأنهم بلا أموال.. لكنهم نسوا أن يقولوا إن ده كان زمان!
الآن لم يعد الأمر كذلك وإنما صارت تصريحات بعض الفنانين تمثل استفزازا للجمهور وتشعرهم بمدى بعده عنهم، صحيح أن البعض الآخر لايزال متمسكا بارتباطه بالجمهور وبكونه جزءا منهم لأن هذا هو طريق النجومية الحقيقي لكن النمط الآخر أصبح هو السائد والغريب أنك ستجد مع هؤلاء "ناس تانيين"!
في كل الكتابات التي تتحدث عن مصر ستجد الجميع يتحدث عن وجود مصريين "يعني مصر ومصر تانية" مجتمعين مختلفين تماما مجتمع عابث مرفه وآخر فقير مطحون والأغلبية صارت من هؤلاء المطحونين.
افتح معي أي جريدة وطالع الأخبار ستجد البعض يموت من عدم وجود مياه صالحة للشرب والبعض يموت في طابور العيش بحثا عن الرغيف والبعض الآخر من الناس التانيين.
ستجد هؤلاء التانيين يتشاجرون ويتطاحنون على ذلك الخلاف الرهيب بين ملك الجيل والهضبة ولمن لا يعلم فملك الجيل هو تامر حسني أما الهضبة فهو عمرو دياب.. يخرج تامر حسني بأغان تعبر عن هؤلاء التانيين وهل ينسى أحدهم رائعته "وبرضه لسه بتغلطي والله ما هارجع تاني لو وقفتي تتنططي"؟ ويعتبر أنصار تامر حسني أن عمرو دياب هو عدوه الأول وأنه لا يفقه شيئا وأن تامر حسني هو ملك الجيل ولا يوجد غيره على الساحة وهو أفضل مطرب.
أما عن أنصار عمرو دياب فيرون تامر بلا خبرة وأنه لا يساوي شيئا بجوار الهضبة عمرو دياب الذي خرج مؤخرا ليؤكد أنه من الناس التانيين ويصدر تصريحات غاية في الاستفزاز في حفل تجديد تعاقده مع شركة روتانا حيث كان التساؤل الأكثر طرحا في الحفل عن قيمة العقد وتوقع أحد الحاضرين أنه لن يقل عن 10 ملايين دولار وهنا ابتسم عمرو في لامبالاة قائلا "هذا الرقم أقل بكثير مما اتفقنا عليه"!
طب بذمتك قل لي ماذا يشعر المواطن البسيط الذي كانت علاوته الـ30% لا تزيد عن 100 جنيه عندما يرى نجمه المفضل يقول في لامبالاة إنه حصل على مبلغ أكثر بكثير من 10 ملايين دولار؟!
الغريب أن هذا الصراع الدائر لا ينتهي سواء بين تامر وعمرو أو بين مشجعيهم وأنصارهم من الناس التانيين، لكن الأمر لم يعد يقتصر على المطربين حيث خرجت علينا مؤخرا علا غانم بعد القرارات الأخيرة برفع الأسعار والتي أثارت حالة من السخط في الشارع المصري لتؤكد أن هذه القرارات صحيحة وأنها تهدف لجعل المجتمع المصري أفضل قائلة إن "الحكومة مية مية والناس هي اللي بتدلع" متسائلة باندهاش "وإيه يعني لما الأسعار تزيد؟!" معلنة أنها مع زيادة أسعار البنزين "علشان مش كل واحد معاه 10 آلاف جنيه يجيب عربية ويقرفنا في الشارع"! لكن علا غانم عادت ونفت هذه التصريحات مؤكدة أنها انتزعت من سياقها.
قديما توفي فنان بحجم إسماعيل ياسين مديونا لأنه كان من الناس أما الآن صار الفنانون من الناس التانيين لكنهم مع الأسف لا يكتفون بهذا وإنما يصدرون تصريحات تستفز الناس العادية لتصبح الأزمة السائدة في مصر التانية ليس ارتفاع الأسعار ولا رغيف العيش ولا البطالة ولا الثانوية العامة وإنما الأهم والسؤال الذي يطرح نفسه.. أنت مع ملك الجيل ولاّ مع الهضبة؟ ولاّ أنت مش من الناس التانيين؟!